حب زمان

بسم الله الرحمن الرحيم
هذا المقال للكاتب الاردني احمد حسن الزعبي-جريدة الرأي الاردنية
حب زمان ..

لا زلت أتساءل كيف كان يجمع الحبّ القديم كل هذه المتناقضات ويبقى على قيد النبض، فهو قاسٍ كجنرال ورقيق كوردة، مؤلم كجرح مفتوح، دافىء كخدّ طفلة، يتشكّل من غيم البساطة ويحلق بنا عالياً في سماء الخيال، يكذب علينا ونصدّقه ...نركض أمامه حتى يسبقنا، ثم يتلاشى كسراب، كلّما لامسته كلمةً أو همسةً، تفوح منه رائحة شوق برّي ونباتاتٍ عشقية..باختصار الحب القديم، هو الحب المنقوش بحناء البراءة..

كان ''العاشق'' زمان، يحفظ كل المتعلّقات التي تخصّ محبوبته، فهو يحفظ ''رقم سيارة الوالد ال 200 قص''، ويعرف تاريخ انتهاء ترخيصها، وعلى استعداد أن يسمّع رقم ''الشاسي'' كاملاً من اليمين الى اليسار ومن اليسار الى اليمين..يبدأ قلبه بالخفقان لمجرّد أن تطلّ ''قطّة'' سمينة من باب بيتهم أو يقف ''طنبر كاز''، يعرف يوم الغسيل الخاص بعائلة الحبيبة، ويحفظ ترتيب حبل الغسيل عن ظهر قلب، من اليمين : بنطلون ''فوتيك'' الوالد، يليه دشداشة الأم الكحلية، بنطال قماش عريض أيضاَ للوالد،يليه بلوزة للأخ الأكبر، يليه بيجامة للوالدة، بناطيل ولادية بمختلف المقاسات، فساتين بنّاتية، وبين القطع الكبيرة ثمّة جوارب متفرقّة وغيارات أخرى..

كان العاشق يبدي استعداداً حقيقياً لمساعدة أخوة ''الحبيبة'' في نقل قلاّب (بودرة) الى داخل حوش الدار إذا ما رآهم بحاجة مساعدة ، وعندما يفشل بالحصول على شرف نقل'' الرمل'' الى الداخل وهزّ أكتافه و تجفيف عرقه أمام أهل الدار، يتمنّى لو أنه ''كريك'' يتم وضعه على العرباية في النقلة الأخيرة، وإسناده الى بيت الدرج الى يوم يبعثون..

''عاشق زمان'' كان يصاب بــ''شرية'' جلدية لمجرّد انه سمع أغنية أم كلثوم ''أنا وانت ظلمنا الحب''،أو عبد الحليم حافظ '' نبتدي منين الحكاية''، وإذا ما بثّت أغنية ( قارئة الفنجان) في الراديو على حين غرّة، نجده قدّ حلّ زرّين من قميصه حتى لو كان في كانون أول، وفرك صدره ضائقاً مخنوقاً، ثم يمدّ يده أسفل القميص الى أن يلمس ''كليته اليمنى ''..ليخرج باكيت دخّان و''يعلّق'' سيجارته مغمض العينين..

وكنت أستغرب من صداقة جمعت بين شاب من حارتنا مع عامل وافد يعمل في مخبز بعيد، ثم أدركت لاحقاً أن الأخير يمدّ ''عاشق حارتنا'' بالدعم اللوجستي من أشرطة عبد الحليم حافظ لا سيما أغنية ''حبيبتي من تكون''؟ ..

وكما ''الإس إم إس'' هي الطريقة الرائجة الآن للتواصل بين المحبّين، فإن قطع ''البرابيش'' الصغيرة هي الوسيلة الأكثر استخدماً آنذاك، قطعة بربيش لا يتعدّى طولها'' 10سم'' يحشى بها ورقة دفتر 32 هي عصارة تفكير سبع ليالٍ.. ترمى بعزم وقوة لأقرب نقطة الى الحبيبة..هذه ''إس إم إس زمان''...مع فرق وحيد بين طريقتي التواصل، الآن بعد كل مسج ينقص الرصيد ويظهر ما تبقى لديهم على الشاشة، أما زمان فقد كان يزيد الرصيد''محبّة واصراراً وشوقاً'' في العينين..عند كل عملية إرسال ناجحة..

قال فالنتاين قال